فن المعاملة
صفحة 1 من اصل 1
فن المعاملة
فن المعاملة J
حوار بين زوجين:
دخل زوجها على صنم يعبدانه في الجاهلية اسمه "نهم"، وصبَّ له اللبن وتركه، ثم عاد ليجد منظرًا عجيبًا.. كلب يشرب اللبن ثم يبول على الصنم، فأنشد شعرًا معناه أنه بدأ يفكر في ألوهية ذلك الصنم ويعيد تجاهه النظر..
ألا يا نهم إني قد بدا لي مدى شرف يبعد منك قربا
رأيت الكلب سامل حظ خسف فلم يمنع قفاك اليوم كلبا
فسمعته زوجته فخافت غضب إلههم، وأنشدت شعرًا تلومه وتحذِّره فيه من عيب إلههم:
لقد أتيت جرمًا وأصبت عظماً حين هجوت نهما
فقص عليها ما حدث، فما كان منها إلا أنها أنشدته شعرًا معناه: فلتبحث لنا عن رب كريم نعبده بدلاً من تلك الحجارة التي لا تستطيع منع الأذى عن نفسها.
ألا فابغنا رباً كريماً جوادًا في الفضائل يابن وهبِ
فما من سامه كلبٌ حقيرٌ فلم يمنع أذاه لنا بربِ
فما عبد الحجارة غير غاوٍ ركيك العقل ليس بذي لب
كيف يتعاملان؟!
ولنقف قليلا أمام تلك اللفظة، ولنتساءل: كيف تعامل هذان الزوجان؟!
1) تفاهم.
2) تحاور.
3) تغافل.
4) رجوع إلى الحق وقبول رأي الآخر، ولم يقف عند لفظها "أتيت جرمًا"، بل فضَّل ألا يضيِّع القضية الأساسية بين المتاهات، ولم يقف معاتبًا، بل فسَّر موقفه على الفور، وقصَّ لها ما حدث، فما كان من زوجته إلا أنها اقتنعت بموقفه.
ولنتخيل ماذا لو بدأ الزوج ينحرف عن القضية الأساسية في حوارها، وبدأ يردُّ لها إهانتها؟! إذًا لضاعت أهم قضية في حياتهما، وربما ظلا كافرين إلى النهاية.
بركة الإسلام
فما كان من الزوج، وكان اسمه أبا ذر الغفاري، إلاَّ أن ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقصَّ عليه ما حدث، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "صدقت أم ذر فما عبد الحجارة غير غاو".
أسلم أبو ذر بين يدَي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولنتخيل ما هو تأثير تلك الشخصية في الناس من حولها؟!
حين عاد من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أخيه، وأخبره بإسلامه فأسلم، ثم أتى أمه فأخبرها فأسلمت، ثم أتى زوجته فلم تقل له: هل أنا آخر من تدخَّل إليه بعد عودتك من سفرك.. لم تأخذه في متاهات لا معنى لها، بل أقبلت على زوجها الحبيب، وقالت: هنيئًا لك يا أبا ذر.. لقد رأيتَه وكلمتَه.. ثم أسلَمَت.
ثم أتى قومه وهم جالسون عند سيد القوم، فحبَّبهم في الإسلام فأسلم سيد القوم وتبعه الكثير، ولما كانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقفت غفار على جانبي الطريق ينتظرون مروره، فحدَّثهم عن الإسلام، ودخل كل أهل غفار في الإسلام.
حب وتغافل وتسامح
ذهب أبو ذر يومًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، أريد أن أكون على اللقاع (الغنم ذات اللبن) قريبة الولادة، أي أن يخرج لرعي هذه الغنم، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تأمن عينية بن حصن وذويه أن يغيروا عليك"، وكان المشركون يغيرون على المسلمين في ذلك الوقت.. فألحَّ أبو ذر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "لكأني بك وقد قُتل ابنك وأخذت امرأتك، وجئت تتوكأ على عصا، يريد أن يمنعه من الذهاب خوفًا عليه".
لكنَّ أبا ذر أصرَّ رغم تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان يأخذ ابنه وزوجته لرعي الغنم خارج المدينة، ويرجع باللبن كل ليلة عند المغرب إلى المدينة.
وذات ليلى أغار أناس من بني نزارة على الغنم، فقتلوا ابن أبي ذر، وأخذوا امرأته فانطلق الصحابي سلمة بن الأكوع خلفهم، ولحق به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة فأعادوا امرأة أبي ذر والغنم.
وأقبل أبو ذر يتوكأ على عصا من أثر المعركة، فقال يا رسول الله، عجبًا لي ونبي الله يقول: "كأني بك وقد أخذت امرأتك وقُتل ابنك وقد جئت أتوكأ على عصا" فكان ما قلت يا رسول الله!.
أم الخير
ولنعد إلى أم ذر.. لقد مرت بموقف عصيب! ماذا لو كانت امرأةً من نساء اليوم مكانها؟ لكانت أنَّبت زوجها وعنَّفته.. ألم يقل لك الرسول كذا؟!
ألا تسمع الكلام؟ لقد قتلت ابننا وأُسِرتُ، وأنت السبب في كل ذلك، وكل تلك الكلمات حقٌّ لا افتراءَ فيها.. وربما أصرَّت على الطلاق بعد تطوُّر الأمر واشتعال الشجار وتدخُّل الأهل!!.
لكنَّ أم ذر المُحِبَّة لزوجها عفَت وتحمَّلت وتسامحت وتغافلت، فاستحقت كنيتها ولقبها؛ فقد كانت تدعى "أم الخير"، واليك هذه الحقيقة المهمة:
إذا سأل سائل: أين هي السعادة الزوجية؟ أقول بكل ثقة:
(1نصف السعادة الزوجية في الرضا وتقبل الآخر كما هو بميزاته وعيوبه.
(2ونصفها الآخر في التغافل والتسامح والتماس الأعذار.
حب وحكمة
وتمر السنوات ويسافر أبو ذر وزوجته إلى دمشق ليجد الناس يميلون على الدنيا ميلاً عظيمًا، فكان من الصعب عليه- وهو الصحابي الذي ربَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أساس متين من الزهد والتواضع- أن يصمت، فما كان منه إلا أن ذهب إلى معاوية بن أبي سفيان والي دمشق؛ ليدخل معه في حوار عاصف، انتهى بعد شكوى معاوية لعثمان بن عفان الخليفة إلى أن طلب أبو ذر من عثمان الإذن في الخروج من المدينة إلى منطقة معزولة تسمى (الربذة) فماذا فعلت أم الخير؟!
تؤنِّبه على شدته مع معاوية التي أدت به إلى ذلك الموقف؟ أتؤنبه لأنه تسبب في عزلتهما في هذا المكان؟ كلا.. كلا.. لم تفعل فلماذا؟! كي تستقيم الحياة معه دون نكد، ولأن حق الزوج عظيم، ولأن التأنيب لا يعود بفائدة، فما قد حدث قد حدث.
حزن وفرج
ويشتد المرض على زوجها الحبيب وهي تسهر عليه وتمرضه حتى جاءت سكرات الموت فوجدها تبكي، فقال ما يبكيك؟ فقالت: ألا أبكي وأنت تموت في صحراء من الأرض؟ ألا أبكي ولا أستطيع دفنك وليس لديَّ كفن لك؟ تذكر قوله صلى الله عليه وسلم "رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده".
فقال لها: أبشري؛ فإن خليلي صلى الله عليه وسلم وعدني أن تشهد موتي عصابةٌ من المؤمنين، فأبصري الطريق فلن يخلف الله تعالى وعد نبيه.
فقامت وعادت فأمرها أن تذهب فقامت وعادت دون جدوى، ثم قامت وعادت في فرح، وقد أشارت إلى ركب رأته فإذا بينهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
حوار بين زوجين:
دخل زوجها على صنم يعبدانه في الجاهلية اسمه "نهم"، وصبَّ له اللبن وتركه، ثم عاد ليجد منظرًا عجيبًا.. كلب يشرب اللبن ثم يبول على الصنم، فأنشد شعرًا معناه أنه بدأ يفكر في ألوهية ذلك الصنم ويعيد تجاهه النظر..
ألا يا نهم إني قد بدا لي مدى شرف يبعد منك قربا
رأيت الكلب سامل حظ خسف فلم يمنع قفاك اليوم كلبا
فسمعته زوجته فخافت غضب إلههم، وأنشدت شعرًا تلومه وتحذِّره فيه من عيب إلههم:
لقد أتيت جرمًا وأصبت عظماً حين هجوت نهما
فقص عليها ما حدث، فما كان منها إلا أنها أنشدته شعرًا معناه: فلتبحث لنا عن رب كريم نعبده بدلاً من تلك الحجارة التي لا تستطيع منع الأذى عن نفسها.
ألا فابغنا رباً كريماً جوادًا في الفضائل يابن وهبِ
فما من سامه كلبٌ حقيرٌ فلم يمنع أذاه لنا بربِ
فما عبد الحجارة غير غاوٍ ركيك العقل ليس بذي لب
كيف يتعاملان؟!
ولنقف قليلا أمام تلك اللفظة، ولنتساءل: كيف تعامل هذان الزوجان؟!
1) تفاهم.
2) تحاور.
3) تغافل.
4) رجوع إلى الحق وقبول رأي الآخر، ولم يقف عند لفظها "أتيت جرمًا"، بل فضَّل ألا يضيِّع القضية الأساسية بين المتاهات، ولم يقف معاتبًا، بل فسَّر موقفه على الفور، وقصَّ لها ما حدث، فما كان من زوجته إلا أنها اقتنعت بموقفه.
ولنتخيل ماذا لو بدأ الزوج ينحرف عن القضية الأساسية في حوارها، وبدأ يردُّ لها إهانتها؟! إذًا لضاعت أهم قضية في حياتهما، وربما ظلا كافرين إلى النهاية.
بركة الإسلام
فما كان من الزوج، وكان اسمه أبا ذر الغفاري، إلاَّ أن ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقصَّ عليه ما حدث، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "صدقت أم ذر فما عبد الحجارة غير غاو".
أسلم أبو ذر بين يدَي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولنتخيل ما هو تأثير تلك الشخصية في الناس من حولها؟!
حين عاد من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أخيه، وأخبره بإسلامه فأسلم، ثم أتى أمه فأخبرها فأسلمت، ثم أتى زوجته فلم تقل له: هل أنا آخر من تدخَّل إليه بعد عودتك من سفرك.. لم تأخذه في متاهات لا معنى لها، بل أقبلت على زوجها الحبيب، وقالت: هنيئًا لك يا أبا ذر.. لقد رأيتَه وكلمتَه.. ثم أسلَمَت.
ثم أتى قومه وهم جالسون عند سيد القوم، فحبَّبهم في الإسلام فأسلم سيد القوم وتبعه الكثير، ولما كانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقفت غفار على جانبي الطريق ينتظرون مروره، فحدَّثهم عن الإسلام، ودخل كل أهل غفار في الإسلام.
حب وتغافل وتسامح
ذهب أبو ذر يومًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، أريد أن أكون على اللقاع (الغنم ذات اللبن) قريبة الولادة، أي أن يخرج لرعي هذه الغنم، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تأمن عينية بن حصن وذويه أن يغيروا عليك"، وكان المشركون يغيرون على المسلمين في ذلك الوقت.. فألحَّ أبو ذر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "لكأني بك وقد قُتل ابنك وأخذت امرأتك، وجئت تتوكأ على عصا، يريد أن يمنعه من الذهاب خوفًا عليه".
لكنَّ أبا ذر أصرَّ رغم تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان يأخذ ابنه وزوجته لرعي الغنم خارج المدينة، ويرجع باللبن كل ليلة عند المغرب إلى المدينة.
وذات ليلى أغار أناس من بني نزارة على الغنم، فقتلوا ابن أبي ذر، وأخذوا امرأته فانطلق الصحابي سلمة بن الأكوع خلفهم، ولحق به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة فأعادوا امرأة أبي ذر والغنم.
وأقبل أبو ذر يتوكأ على عصا من أثر المعركة، فقال يا رسول الله، عجبًا لي ونبي الله يقول: "كأني بك وقد أخذت امرأتك وقُتل ابنك وقد جئت أتوكأ على عصا" فكان ما قلت يا رسول الله!.
أم الخير
ولنعد إلى أم ذر.. لقد مرت بموقف عصيب! ماذا لو كانت امرأةً من نساء اليوم مكانها؟ لكانت أنَّبت زوجها وعنَّفته.. ألم يقل لك الرسول كذا؟!
ألا تسمع الكلام؟ لقد قتلت ابننا وأُسِرتُ، وأنت السبب في كل ذلك، وكل تلك الكلمات حقٌّ لا افتراءَ فيها.. وربما أصرَّت على الطلاق بعد تطوُّر الأمر واشتعال الشجار وتدخُّل الأهل!!.
لكنَّ أم ذر المُحِبَّة لزوجها عفَت وتحمَّلت وتسامحت وتغافلت، فاستحقت كنيتها ولقبها؛ فقد كانت تدعى "أم الخير"، واليك هذه الحقيقة المهمة:
إذا سأل سائل: أين هي السعادة الزوجية؟ أقول بكل ثقة:
(1نصف السعادة الزوجية في الرضا وتقبل الآخر كما هو بميزاته وعيوبه.
(2ونصفها الآخر في التغافل والتسامح والتماس الأعذار.
حب وحكمة
وتمر السنوات ويسافر أبو ذر وزوجته إلى دمشق ليجد الناس يميلون على الدنيا ميلاً عظيمًا، فكان من الصعب عليه- وهو الصحابي الذي ربَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أساس متين من الزهد والتواضع- أن يصمت، فما كان منه إلا أن ذهب إلى معاوية بن أبي سفيان والي دمشق؛ ليدخل معه في حوار عاصف، انتهى بعد شكوى معاوية لعثمان بن عفان الخليفة إلى أن طلب أبو ذر من عثمان الإذن في الخروج من المدينة إلى منطقة معزولة تسمى (الربذة) فماذا فعلت أم الخير؟!
تؤنِّبه على شدته مع معاوية التي أدت به إلى ذلك الموقف؟ أتؤنبه لأنه تسبب في عزلتهما في هذا المكان؟ كلا.. كلا.. لم تفعل فلماذا؟! كي تستقيم الحياة معه دون نكد، ولأن حق الزوج عظيم، ولأن التأنيب لا يعود بفائدة، فما قد حدث قد حدث.
حزن وفرج
ويشتد المرض على زوجها الحبيب وهي تسهر عليه وتمرضه حتى جاءت سكرات الموت فوجدها تبكي، فقال ما يبكيك؟ فقالت: ألا أبكي وأنت تموت في صحراء من الأرض؟ ألا أبكي ولا أستطيع دفنك وليس لديَّ كفن لك؟ تذكر قوله صلى الله عليه وسلم "رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده".
فقال لها: أبشري؛ فإن خليلي صلى الله عليه وسلم وعدني أن تشهد موتي عصابةٌ من المؤمنين، فأبصري الطريق فلن يخلف الله تعالى وعد نبيه.
فقامت وعادت فأمرها أن تذهب فقامت وعادت دون جدوى، ثم قامت وعادت في فرح، وقد أشارت إلى ركب رأته فإذا بينهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
ابو زينه- مشرف
- عدد المساهمات : 110
تاريخ التسجيل : 02/09/2010
العمر : 52
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى